خطاب سموالامير في افتتاح الدورة الـ47 لمجلس الشورى

06 نوفمبر 2018

 

 

بسـم الله الـرحـمـن الـرحـيـم

الإخوة والأخوات أعضاء مجلس الشورى،

يسرني أن ألتقي بكم في هذه المناسبة السنوية الحميدة، مناسبة افتتاح دورة جديدة لمجلسكم الموقر، إيذانا ببدء فصل تشريعي جديد، تمضي فيه مؤسساتنا الدستورية في تحمل مسؤولياتها لتحقيق الغايات التي حددناها لأنفسنا من تحقيق النمو وحتى مواكبة منجزات الحضارة الإنسانية المعاصرة، وتشكل هويتنا وثقافتنا القطرية والعربية والإسلامية على أسس أخلاقية وحضارية سليمة.

منذ لقائنا الأخير والذي جرى في ظل الظروف التي تعرفونها تعززت حصانة اقتصاد قطر من الهزات الخارجية وازداد اعتمادنا على ذاتنا، وترسخت الروابط مع حلفائنا أكثر مما كانت، وتطورت علاقاتنا مع معظم دول العالم. والأهم من هذا كله ازداد تمسك القطريين بأخلاقهم التي عرفوا بها، وتعمق وعي شعبنا وإدراكه لحجم منجزات دولته وأهمية السيادة الوطنية واستقلالية قرارنا السياسي التي تحققت هذه المنجزات في ظلها.

الإخوة الكرام أعضاء مجلس الشورى،

لقد شهد الاقتصاد العالمي عام 2017 انتعاشا اقتصاديا شمل معظم الدول والتجمعات الإقليمية والاقتصادية بما في ذلك الدول المتقدمة ومنها الولايات المتحدة ومنطقة اليورو واليابان. إلا أن هذا التحسن لم يشمل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ودول مجلس التعاون بما في ذلك دولة قطر.

لكن النمو في قطر كان الأقل تضررا. كما إن انخفاض الناتج المحلي الهيدروكربوني لدينا، صاحبه نمو الناتج المحلي من المصادر الأخرى بحوالي 4% ما يعكس دور التنوع الاقتصادي كمكـون هـام للنمـو.

لقد ارتفعت الصادرات بنسبة بلغت 18% ما أدى إلى تحسن ملموس في الموازنة العامة والميزان التجاري والحساب الجاري. واسترجع الجهاز المصرفي في أقل من عشرة أشهر مستوى المؤشرات التي كانت سائدة قبل الحصار وتحسن مستوى بعضها. وبالإضافة إلى ذلك فقد استعاد مصرف قطر المركزي مستوى احتياطاته، وحافظ الريال القطري على قيمته وحرية تداوله، واستمرت الدولة في توفير التمويل اللازم لمشاريع كأس العالم دون المساس بالمشاريع التي يتطلبها تحقيق الرؤية الوطنية.

وتجدر الإشارة إلى أن عدد المصانع العاملة في الدولة ازداد عما كان عليه قبل الحصار بنحو 14% وتمكنت هذه المصانع من تحقيق قدر كبير من الاكتفاء الذاتي في بعض المنتجات الغذائية وبعض المستلزمات الاستهلاكية. ولا بد من التنويه هنا إلى أن الدور الذي لعبه القطاع الخاص في تحقيق هذه النتائج كان محوريا من حيث تفاعله مع متطلبات هذه المرحلة. وما زلنا نتوقع منه استعدادا أكبر للاستثمار المباشر ومبادرات أكثر جرأة.

الإخوة الكرام،

نحن نسير بخطى ثابتة لتحقيق الأمن المائي والغذائي وتأمين طاقة كهربائية كافية لدفع عجلة التنمية والوفاء بمتطلباتها. فتم تدشين المرحلة الأولى من مشروع مخزون المياه الاستراتيجي وجاري العمل على تدشين باقي المراحل مع نهاية هذا العام بزيادة قدرها 155% عن مخزون المياه العذبة الحالي. كما باشرت محطة أم الحول في المنطقة الاقتصادية العمل وسيتم افتتاحها رسميا، في وقت لاحق.

وسيرفع هذا المشروع العملاق الطاقة الإنتاجية لقطر من الكهرباء بنحو 30% ومن المياه المحلاة بنحو 40%.

وقد اتبعت الدولة سياسة مالية محافظة، لتخفيض الإنفاق أملاها التراجع الحاد في أسعار النفط والغاز الذي بدأ نهاية عام 2014، وكان علينا أن نوازن بين تقليص المصروفات، المفيد أيضا لمؤسسات الدولة والمجتمع، ومتطلبات الإنفاق التي تمليها مواصلة الاستثمار في البنية التحتية والمشاريع الرئيسية لعملية التنمية ومشاريع التحضير لكأس العالم، ولم يكن هذا بالأمر السهل. ولكن بفضل الله تعالى وتكاتف الجهود والتعاون بين جميع الجهات الحكومية النقدية والمالية والاستثمارية والاقتصادية ظهرت بوادر نجاح هذه السياسة. فقد انخفض الإنفاق الحكومي للاستهلاك خلال هذا العام بنحو 20% عن العام السابق بينما ازداد الإنفاق الأسري بنحو 4%. ويتوقع أن تؤدي هذه السياسة إلى فائض في الموازنة العامة لهذا العام وأن يرتفع هذا الفائض في السنوات المقبلة.

وتمكنت قطر إلى حد بعيد من تجاوز آثار الحصار. وتشاركنا المؤسسات الاقتصادية والأسواق المالية التفاؤل إذ يتوقع البنك الدولي أن يصل معدل النمو الاقتصادي في قطر إلى 2,8% عام 2018 وأن يرتفع إلى نحو 3% في الأعوام التي تليها، كما عدلت مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية نظرتها المستقبلية عن الاقتصاد القطري من سلبية بعد الحصار مباشرة إلى مستقرة حاليا ما يعكس تحسن توقعاتها عن الأداء المالي والاقتصادي لدولة قطر في المستقبل، وظهرت ثقة المؤسسات المالية العالمية بمستقبل أداء الاقتصاد القطري عند طرح سندات سيادية قطرية بقيمة 12 مليار دولار في أسواق المال العالمية حيث وصل حجم الاكتتاب إلى 53 مليار دولار وبأسعار فائدة معتدلة.

الإخوة والأخوات،

إن أهداف رؤية قطر الوطنية بتحقيق التنويع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط والغاز لا تعني أبدا، كما ذكرت لكم سابقا، إهمال قطاع النفط والغاز، مصدر ثروتنا الأساسي.

فالتنويع الاقتصادي يهدف إلى تحقيق النمو دون التأثر بالتغيرات في أسعار هذين المصدرين، ولكن لا بد من تطويرهما باستمرار والحفاظ على الثروة التي حبانا الله بها، لنا ولأجيالنا المقبلة، وتنميتها. وفي هذا السياق أود أن أشير إلى بعض التطورات الهامة في هذا القطاع:
أولا: تم الانتهاء من الدراسات المبدئية لتطوير مشروع ضخم لإنتاج الغاز الطبيعي المسال من حقل الشمال، وبهذا ستحافظ قطر على مركزها كأكبر مصدر للغاز المسال في العالم لسنوات عديدة قادمة.
ثانيا: جرى دمج شركة قطر غاز وشركة رأس غاز كي يصبح إنتاج الغاز وتسييله وتسويقه حصرا في شركة واحدة. وكان الهدف من هذا الدمج توحيد الموارد والقدرات المتميزة للشركتين، وخلق مشغل للطاقة فريد من نوعه من حيث الحجم والكفاءة والمركزية، وتخفيض النفقات التشغيلية السنوية حيث يوفر الدمج نحو 2 مليار ريال قطري سنويا.
ثالثا: تتجه قطر للبترول نحو العالمية عن طريق المشاركة في استكشاف وإنتاج النفط والغاز خارج قطر. فقد عقدت اتفاقيات استكشاف وإنتاج في سلطنة عمان والبرازيل والمكسيك والأرجنتين وجنوب أفريقيا بالمشاركة مع شركات النفط العالمية ومع بعض الشركات الخليجية.
كما لم تتأثر صادراتنا من النفط بالحصار، فقد حرصت الدولة على تنفيذ التزاماتها كافة بموجب العقود القائمة، وأبرمت عدة عقود طويلة المدى آخرها مع بتروشاينا تـمد من خلالها قطر مناطق متعددة في الصين بحوالي 3,4 مليون طن من الغاز المسال سنويا، وتمتد هذه الاتفاقية حتى عـام 2040.

حضرات الإخوة أعضاء مجلس الشورى،

في مجال تنفيذ استراتيجياتنا المتعاقبة لتحقيق رؤية قطر الوطنية، دخلت استراتيجية التنمية الوطنية الثانية 2018-2022 مرحلة التنفيذ في بداية العام الجاري وشـرعت كافة الوزارات والأجهزة الحكومية بتفعيل برامج هذه الاستراتيجية من خلال الاستمرار في تطوير البنية التحتية وتعزيز التنويع الاقتصادي وتنمية القطاع الخاص والإدارة الحكيمة للموارد الطبيعية مع الحفاظ على البيئة وحمايتها ومواصلة العمل لتعزيز التنمية البشرية من خلال إيجاد نظام رعاية صحية شامل ومتكامل، وتطبيق أنظمة الجودة في التعليم، وبناء قوة عمل كفؤة وملتزمة، كما تهدف إلى تطوير التنمية الاجتماعية من خلال مراعاة العدالة وتوفير الأمن والسلامة لجميع المواطنين والمقيمين والعمل على الإثراء الثقافي والتميز الرياضي.

ويبقى الإنسان موضوع خطط التنمية ومحورها وهدفها. فارتفاع مستوى معيشة المواطن يجب أن يواكبه تطور قيمي وثقافي واهتمام بالأخلاق، وإلا فقد ينشأ احتمال أن تتحول الرفاهية إلى حالة من الإفساد الاجتماعي القائم على الثقافة الاستهلاكية غير المنتجة والمتذمرة باستمرار، وشعور بالاستحقاق لا يقوم على العمل والكفاءة.

وهذا ما يفترض أن يحذر منه الأهل أبناءهم، والمعلمون تلامذتهم، والقادة شعوبهم.
لقد نشأ في قطر مجتمع حديث ودولة عصرية واقتصاد متطور وحولنا اقتصاد النفط والغاز إلى صناعة متطورة.

ولكي نكون قادرين على مواصلة التطور وتحقيق الاستدامة، ولا ننزلق في مهاوي اقتصاد الاستهلاك وثقافة الاتكالية واللامبالاة، لا بد من التأكيد على العمل وأخلاقياته.

وتتلخص أخلاقيات العمل بالإخلاص في أدائه على أحسن وجه، كما وكيفا، واحترام أوقات العمل وتنفيذ الوعود، والصدق في التقارير المرفوعة عن المهمات؛ وهي تقوم على الإحساس بالواجب والشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع والدولة والمشاركة في تحمل الأعباء. وهذا 
يقود إلى التواضع وتقدير قيمة العمل، بما في ذلك الذي يقوم به الآخرون، واعتماد الكفاءة والأهلية أساسا للتعيين والترقية، وليس هوية الشخص؛ أما التقاعس وعدم القيام بالواجب ففيما عدا الضرر الذي يلحقه بالمصلحة العامة، فإنه يقود إلى التذمر والشكوى المستمرين لتبرير 
القصور والتقصير.

لقد حققنا تقدما كبيرا وسريعا في بناء الوطن وفي مستوى المعيشة وكذلك في التنمية البشرية من صحة وتعليم، وما زال أمامنا الكثير من التحديات في هذه المجالات؛ وعلينا التأكد من الالتزام بأخلاق العمل في الوظيفة، والعطاء للمجتمع. وفي هذا السياق نؤكد أيضا على أهمية الخدمة الوطنية ودورها في بناء شباب هذا الوطن.

حضرات الإخوة والأخوات،

إن أمن واستقرار دولنا، الخليجية والعربية، لن يتحقق عبر السعي إلى المساس بسيادة الدول أو التدخل في شؤونها الداخلية، بل من خلال احترام القواعد التي تنظم العلاقات بينها، والعمل على حل الخلافات عن طريق الحوار الذي يرعى مصالح الأطراف المعنية كافة.

يعلمنا التاريخ أن الأزمات تمر لكن إدارتها بشكل سيء قد تخلف رواسبا تدوم زمنا طويلا، ومن المؤسف حقا أن استمرار الأزمة الخليجية كشف عن إخفاق مجلس التعاون الخليجي في تحقيق أهدافه، وتلبية طموحات شعوبنا الخليجية، ما أضعف من قدرته على مواجهة التحديات والمخاطر، وهمش دوره الإقليمي والدولي. عسى أن يستفاد من الأزمة الراهنة في تطوير المجلس على أسس سليمة تشمل آليات لحل الخلافات وتضمن عدم تكرارها مستقبلا.

ومما لا شك فيه، أن تردي الوضع العربي، بما فيه الخليجي، يفقد الوطن العربي الحصانة والقدرة على مواجهة تفاقم القضايا المختلفة التي نعاني منها في فلسطين وسوريا واليمن وليبيا وغـيرها، ويضعف دولنا ويعرض علاقاتنا البينية للاختراق.

وسوف تظل دولة قطر –كما عهدتموها– طرفا فاعلا وداعما لجميع الجهود المبذولة لتسوية الخلافات ومواجهة التحديات والمخاطر التي تحيط بالأمتين العربية والإسلامية والتعامل الفاعل مع القضايا والمشاكل التي تهدد السلم والأمن الدوليين.

وتبقى القضية الفلسطينية في مقدمة أولوياتنا. وفي ظل استمرار التعنت الإسرائيلي وغياب الإرادة للتوصل إلى سلام شامل وعادل، وفرض سياسة الأمر الواقع فإننا ندعو المجتمع الدولي إلى وضع إسرائيل أمام مسؤولياتها لوقف جميع الممارسات غـير المشروعة بحق الشعب الفلسطيني، وإنهاء الحصار الجائر على قطاع غزة، ووقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وغيره من الانتهاكات المستمرة لحقوق الشعب الفلسطينـي، واستئناف مفاوضات السلام وفقا لمبادئ الشرعية الدولية على أساس حل الدولتين وحق العودة وإقامة الشعب الفلسطيني لدولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. كما ندعو إلى وحدة الشعب الفلسطيني وتجاوز الانقسام لمواجهة ما يحاك ضد القضية الفلسطينية.

وفيما يتعلق باليمن فإننا نؤكد على موقفنا الثابت، بالحرص على استقرار اليمن ووحدته وسلامة أراضيه، وندعو جميع الأطراف لوقف الاقتتال واللجوء إلى الحوار لحل هذه الأزمة سياسيا، فقد ثبت أنه لا يوجد حل عسكري للخلافات اليمنية، التي سبق أن أظهر الشعب اليمني الشقيق قدرته على تسويتها في الحوار الوطني.

وفي الشأن السوري فإننا منذ بداية الأزمة نحرص على أن تبقى سوريا وطنا موحدا، وندعم كافة الجهود الإقليمية والدولية لإنجاح الحل السياسي الذي يخرج سوريا من أزمتها ويلبي تطلعات الشعب السوري في الحرية والعدالة والأمن والاستقرار، وفقا لبيان جنيف (1)، وسنواصل تقديم كافة أوجه الدعم للشعب السوري الشقيق.

كما أننا نتطلع إلى دفع الحل السياسي في ليبيا وندعو جميع فئات وأطياف الشعب الليبي، لتحقيق الوفاق الوطني وبناء الدولة ومؤسساتها ووضع حد لمعاناة الشعب الليبي الشقيق، وتحقيق أمنه واستقراره، ونؤكد مواصلة دعمنا لجهود حكومة الوفاق الوطني والمبعوث الأممي في هذا الشأن.

كما نؤكد دعمنا للأشقاء في العراق في جميع خطواتهم وجهودهم الرامية لتحقيق الأمن والاستقرار، ونتطلع إلى قيام كافة القوى السياسية وجميع أطياف الشعب العراقي بتحقيق التفاهمات الوطنية الشاملة التي تلبي طموحاته. وفي هذه المناسبة نهنئ الحكومة العراقية الجديدة، ونتمنى لها التوفيق في خدمة شعبها.

الإخوة والأخوات،

في ختام كلمتي أود أن أشير إلى أن الإعداد لانتخاب المجلس التشريعي جار على مستوى اللجان الوزارية ولجان الخبراء، ولا شك أن عملية التحضير قد تأثرت بالظروف التي تمر بها البلاد، ولكننا ماضون في تنفيذ هذا القرار.

وفقـكــم الله.

والسـلام عليكـم ورحمـة الله وبركاتـه،